الأرشيف

ثورة ٢٣ يوليو.. أم الثورات

:

بقلم : أمجد المطراوى:

ملك يعيش وحاشيته فى ترف يفوق الوصف، وشعب يموت جوعا وفقرا فى القرى والصعيد، وينتظر الخلاص، وجيش يموج غضبا على تردى الأوضاع فى البلاد، واحتلال جاسم على الصدور والأرض معا منذ عشرات السنين».. كان ذلك وغيره من الأسباب وراء زمجرة الدبابات الغاضبة وخروجها من الثكنات إلى شوارع القاهرة وعواصم المحافظات صبيحة يوم 23 يوليو 1952، لتكتب نهاية لمرحلة مخجلة فى تاريخ الدولة المصرية ووضع حد للفساد والرشوة التى حكمت القصور وملأت الدواووين. يخطئ من يظن أن اندلاع ثورة يوليو 1952 كان نتيجة غضب سرى داخل أروقة القوات المسلحة نتيجة الفساد الملكى الذى ساد عصر فاروق الأول، بل تمتد تراكماتها إلى أبعد من ذلك بسنوات أدت فى النهاية لتراكم جبال من السخط، والغضب فكانت الحاجة ملحة للتغير والذى يجب أن يكون جذريا هذه المرة عبر إزالة كل مسببات الفقر والجهل والتخلف والمرض فكان زوال الاحتلال البريطانى ورحيل الملك ومحاكمة حاشيته الفاسدة أهم أهداف ثورة الضباط الأحرار. عظمة ثورة عبد الناصر ورفاقة استمدتها من تصدرها لمطالب المساواة والعدالة الاجتماعية، فضلا عن بقية مطالبها الأربع التى تضمنها بيان الثورة، تلك الثورة التى قام بها الضباط الأحرار من أبناء الجيش المصري، بزعامة الراحل جمال عبد الناصر، لتكفل الحماية الاجتماعية للفقراء وتنحاز للطبقات الدنيا وتوفر لها الحد الأدنى من سبل العيش. آمنت ثورة 23 يوليو بأن انقسام المجتمع إلى طبقتين إحداهما عليا والأخرى دنيا ووجود هوة سحيقة بين الأغنياء والفقراء، وراء انتشار التخلف والجهل والمرض واستمرار الاحتلال فى الهيمنة على مقدرات البلاد. مظاهر تحقيق العدالة الاجتماعية تجلت فى بادئ الأمر، من خلال تحديد الملكية الزراعية بحد أقصى 200 فدان، وإعطاء كل فلاح 5 أفدنة لتحقيق الحد الأدنى من سبل العيش، والتى جاءت فى أول تشريعات الثورة الإصلاحية فى 9 سبتمبر 1952. « فاروق فى المنفى وسيحكى قصته وروايته عما جرى.. لن يبقى صامتًا».. بما سبق عنونت صحيفة «صن هيرالد» فى صدر تغطيتها لاندلاع ثورة 23 يوليو سنة 1952 التى أطاحت بآخر ملوك الأسرة العلوية الملك فاروق دون إراقة الدماء عقب قرار الملك الأخير بالتنازل طواعية ، هكذا سميت ثورة 23 يوليو باسم «الثورة البيضاء» لأنها لم تلطخها الدما ولم يقع فيها عنف أو مقاومة، كانت مرحلة بين مرحلتين وتحولا اتسع مداه ليشمل العالم كله، وصارت الثورة المصرية مرجعا لكل حركات التحرر فى العالم، منها استلهمت الشعوب ثقافة الكفاح والمقاومة، وأشعلت من جديد جذوة الوطنية فى صدور الشعوب المظلومة، وهو أكبر أثر للثورة المصرية التى تعد بحق سيدة الثورات. أخيرا ورغم حالة الجدل كل عام حول المسببات والنتائج لثورة الضباط الأحرار، ستبقى 23 يوليو تاريخا مصريا، وحدثا جللا امتدت أثاره للعالمين ورسخت لفكرة زعامة الدولة المصرية، وأنها صاحب الخطوة الأولى فى قارة أفريقيا والشرق الأوسط ، لكن أهم مافيها أنها أعادت التأكيد أن مصر صاحبة الحضارة العريقة ورأس الحربة وكلمتها هى العليا، وستبقى كذلك.