الأرشيف

حكايات الجنود المنسية في أكتوبر على لسان الأهالي.. «أبطال مجهولون» ضحوا لأجل مصر

:

كتبت: حنان النجار

أيام عجاف اختتمت بالأفراح وسنوات نكسة كللت بنصر عظيم وما بين انكسار وانتصار سردت آلاف الحكايات ما بين مقروءة في كتب التاريخ ومسموعة على ألسنة أصحابها، أبطالا ليسوا نجوما ولا نصادف صورهم على الشاشات إنما كانوا وقدو الحرب الذي أوصلنا للنصر.

شباب في التراب وعروس فوق تنتظر 

تروي «م» ما تبقى لها من ذاكرة من أحداث هذه الأيام قائلا: «كنا نجلس وإذا بالناس تجري هنا وهناك ولا أفهم ما الأمر، وذهبت لأري فعلمت من أقربائي أن ابن خالي الذي كان في الجيش المصري جند مجند (ي.ع) أتي محروق الجثة، كان شابا جميلا فارع الطول صبور كأمه مصر، طيب القلب حنون، وقبل الحرب كان عقد قرانه على الفتاة التي أحبها وحلم كثيرا بجمع شملهما لكن كان للقدر رأي آخر في قصتهما فقد خاب ظنهما وأتاها محترقا متفحما».

وتتابع «م»: كانت ليله سوداء كباقي أيامنا كنا نصرخ جميعا وكان جدي يجري هنا وهناك بعكازه يضرب كل من تصرخ ويقول «ابن ابني ممتش مفيش عزا ولا صويت غير لما آخد تاره محدش هيجيب تارك غيري» “دفن “ي.ع” ودفنت أحلامه معه وأحلام خطيبته العروس الحزين وبقينا نبكي عليه طالما نحيا.

مسلم مسيحي لا فرق بيننا كلنا أبناء مصر..

وتحكي لي الجده «م» قصة جارهم الضابط المسيحي «س» وتقول كان نعم الأدب والأخلاق ومن أفعاله الجميلة قبل الحرب في يوم من الأيام مرضت إحدى بناتي «ف» بالجفاف ولم يكن أحد يعلم معنى كلمة أو صفات هذا المرض وبكت ليلاً ونهارًا على ابنتها فأشار عليها هذا الضابط جارها الحبيب أن يدعي المرض ويتغيب عن عمله حتى تأتي الطبيبة المسئولة عن صحته في عمله وتكشف عليه وعلى ابنة جارته التي كانت لا تمتلك ما يكفي لعلاج ابنتها وبالفعل أكل الضابط «س» حلاوة طحينية بالشطة وجبنة قديمة شديدة الملوحة وتغطى جيدا بعد أن أخذ دش ساخن وعرض نفسه للهواء الشديد وارتفعت درجة حرارته بشدة واتصل بالعمل وجاءت الطبيبة وبعد أن فحصته ترجاها أن تكشف على جارته رحمة بالأم التي تبكي ليل ونهار فكشفت عليها وأعطتها دواءً وليمونًا وتحسنت حاله الابنة الصغيرة وفرحت الأم كثيرًا.

“كان نعم الجار ونعم الأخ” تقول «م»، وفي صباح يوم من الأيام عندما بدأت الحرب ضج الشارع بالأصوات العالية وإذا بالضابط يأتي بعد غياب طويل في الحرب مقطع الملابس حافي القدمين يلتقط أنفاسه قبل الأخيرة ليحكي ما حدث له ثم يودعهم. تقول «م» حضناه لم تكن هناك فوارق بين مسلمين ومسيحين رجال ونساء، وظل الجمع يستخرج شظايا الزجاج من قدمه.

وكان الضابط عاد من سيناء سيرا على الأقدام حتى وصل إلى مكان بعد القنطرة، ومن هناك أخذه أهالي لا يعرفهم وبعد كل مكان لا يوجد فيه سيارات وأخذوني أناس لا أعرفهم وأتوا بي إليكم ولكن جئت ومعي عربة كبيرة محملة بالذخيرة والأسلحة أخذتها من إسرائيل بعد أن ارتديت زي عسكري إسرائيلي وعبرت بها إلى منطقتنا وخبئتها وأبلغت الناس ليرشدوا الجيش عنها وخلعت الملابس الإسرائيلية واختبأت من مكان إلى مكان آخر حافي القدمين حتى آتي إليكم وتكونون آخر ما أرى وارتقت روحه إلى السماء وصعدت إلى خالقها في أحضاننا في شارع في منطقة حدائق القبة.

أما السيدة «ف» تقول: كان عندي أيامها نحو 5 أو 6 سنين لم أدخل المدرسة، كل ما أتذكره هو نداء الشباب بصوت عالي «طفوا النور» فكانت أمي تأخذ لحافا وتصطحب أخوتي الست وتتجه إلى «بيدروم» البيت أو إلى أي جارة تسكن في الدور الأول وكنت أنتظر حتى تسهو أمي في الحديث مع من حولها وأشاور إلى أصدقائي من الأولاد والبنات ونقوم بعمل حلقه نلف حول بعضنا ونمسك بإيدي بعضنا البعض وننادي باسم صاحبه المنزل «أم صلاح» ونغني ونحن ندور ونقول «طفي النور يا أم صلاح وإحنا وراكي بالسلاح» طوال الليل حتى تهدأ الغارات وأصوات التفجيرات التي في كل مكان وحين نعود إلى منزلنا الصغير يحكي كل منا ماذا فعل في أثناء الغارة.

وتتحدث سيده أخرى لتقول: لم يكن يهمني نداء أحد «طفو النور» ولم أهتز لأنني أعلم أن الأعمار بيد الله عز وجل قالت ودموع نزلت على وجهها المجعد الذي يكتب كل شق فيه حكاية من حكايات مصر «كنت أغطي نفسي وأغطي أولادي بملايه على وجهنا وننام ونستسلم لأمر الله لو متنا يبقى أترحمنا من العذاب اللي إحنا فيه ولو ربنا كتبلنا عمر جديد يبقى مقدر من الله لازم نشكره عليه».

يحاربون في سيناء.. ونقاوم في البيوت

«أما عن الفقر فلا تسأليني عنه فقد كان كثوبنا الذي لا نتركه ولا يتركنا أبدا أنت عارفة إني عرفت أن الفقر دا الحاجة الوحيدة المخلصة ليك هي والمصائب كانت أمي تغلي البطاطا في الحلة كانت كتل زي الطوب كدا وتقول لحمة وتفضل اللحمة على النار لحد ما أخواتي يناموا إلا انا أفضل صاحية واستني البطاطا أو اللحمة زي ما أمي كانت بتضحك علينا يعني وأكلها واقول الله حلوة يا ماما عشان كدا أمي كانت مسمياني العبيطة أهو عشان كنت برضي بأي حاجة كنت فاهمة كل حاجة بس بعمل عبيطة زي ما أمي كانت بتقول عشان حالتنا كانت تحت الصفر».

اما عن الملابس التي لم نعرف معني لشرائها أبدا ولم نقف علي محل ملابس ولكن امي كانت تبعثني بملابسها للخياطة كي تديرها علي مقاسنا وتفصل من ملابس أمي ملابس لنا.

“الجميع يتعاون الجميع محب للوطن وكلا محب للاخر بلد الجدعان مصر لم يكن قد دخلها المخدرات حتي تذهب عقولهم ومشاعرهم كانوا بخيرهم ومشاعرهم جياشة كانوا المصريين بصفاتهم الحقيقية دون كذب او خداع كانوا منتهي الرقي والتحضر ورغم كل هذا الفقر لايوجد فقير  من كثرة المساعدات لبعضهم البعض يكفي مشاعرهم الطيبة الصادقة حتي لو لم يكن معهم ما يكفي للمساعده رغم أنها كانت أيام حرب كانت أيضا أيام حب كل منا للاخر ليت هذا الحب الذي فقدناه يعود”

مهندس «أ» انتظرت النصر طوال أيام الغربة

ويقول المهندس «أ» كنت وقتها أعيش بالخارج بفرجينيا وكنت أعمل بمصنع هناك كنت أرى عبارات وملصقات في شتى أجزاء المصنع تخبرنا أن اليهود هم المنتصرون على المصريين والعرب وترفع من روح اليهود المعنوية حتى يبينوا للعالم أن إسرائيل قوية وشامخة، لكني في صميم قلبي كنت أعلم أننا سننتصر حتما وأن نصر الله قريب لم أكن أتحدث عن الحرب حينها مع أحد بطبع كل من حولي كان ضدي ويريدني أن انطق حتى تشتعل الأجواء، ليال طوال مرت لكن في النهاية علمت أننا انتصرنا كما حدثني قلبي.